مـدام دي بومبادور
للفنان الفرنسي فرانسوا بوشير


يعتبر فرانسوا بوشير (1703-1770) رائد اتجاه الروكوكو في فرنسا، وهو أسلوب يخضع الموضوع لنوع من الحسية التي تتحول من خلالها الأجساد والملابس والغيم والأمواج والغابات إلى صور للرغبة والمجاز ودغدغة الغرائز.
عمل بوشير معظم حياته في باريس وفي 1765 عين رساما أول للملك.
بعض رسوماته تجبرك على الضحك بسبب التأثيرات الحسية المتكدسة والباذخة فيها.
المشاهد الميثيولوجية الضخمة التي رسمها في لوحته "شروق الشمس وغروبها" (1753) تسببت في إحداث صدمة لدى عرضها في باريس لدرجة أن كثيرا من النساء امتنعن عن الحضور تحرجا وحياء من المشاهد التي تضمنتها.
ورغم حديث النقاد في عصر بوشير عن عنصر الإغواء في لوحاته فان بعضهم كان يقول إن ذلك يمكن أن يندرج تحت باب الرذيلة التي يمكن قبولها!
واللوحة تصور مدام دي بومبادور (1721-1764) التي كانت ذا نفوذ ثقافي ضخم في فرنسا القرن الثامن عشر. ولدت دي بومبادور في باريس وتزوجت من شارل غيوم لكنها أصبحت في العام 1745 خليلة للملك لويس الخامس عشر. وتلك كانت وظيفة رسمية، إلى جانب منحها لقبا تشريفيا هو الماركيزة دي بومبادور. استمرت علاقتها بالملك فترة طويلة لكنها تحولت في ما بعد إلى علاقة أفلاطونية إذا جاز التعبير بعد أن خمدت جذوة الحب بين العاشقين. غير أن مكانة المرأة ونفوذها استمرا على حالهما.
رعت مدام دي بومبادور الكثير من الأعمال الفنية كما ضمنت رعاية الملك للكتاب والرسامين، وكان شقيقها الماركيز دي ماريني وزيرا للثقافة في ذلك العهد.
وكان نفوذها واضحا في لوحة شروق الشمس وغروبها التي ساعدت هي في اختيار موضوعها المستمد من أسطورة اوفيد، وفي اللوحة تبدو بومبادور على شكل حورية وهي ترحب بعودة الشمس أي الملك.
في لوحة مدام دي بومبادور تظهر السيدة واقفة وسط الطبيعة، والزهور تنمو عند قدميها بينما تبدو البراعم الرقيقة منعكسة على فستانها الحريري المزركش باللون الزهري. وتبدو السيدة مرتاحة في هذا الجزء من الطبيعة بينما أسندت يدها بطريقة طبيعية على قاعدة تمثال وامسكت بالأخرى مروحة وهي تشير إلى كلبها الصغير الذي يجلس بوفاء.
الرسالة هنا موجهة إلى الملك: إنها وفية له بمثل وفاء الكلب.
أما التمثال فيسمى "الصداقة عزاء للحب" ، والولد يمثل كيوبيد، وفي هذا تلميح إلى تحول علاقتها بالملك من علاقة جنسية إلى علاقة صحبة وصداقة.
لوحة مدام دي بومبادور كانت حدثا ثقافيا كبيرا في فرنسا منتصف القرن الثامن عشر، وكانت السيدة تستخدم اللوحات الفنية كوسيلة للتواصل مع الملك والعامة معلنة عن ولائها ومحبتها وغزارة ثقافتها ورجاحة عقلها.





:5:


- ليلـة مرصّعـة بالنجـوم
للفنان الهولندي فنسنت فان غوخ

تعتبر لوحة "ليلة مرصعة بالنجوم" اشهر أعمال الفنان فنسنت فان غوخ، ومن السهل التعرف على هذه اللوحة بسرعة بسبب أسلوبها المتفرد، ومع مرور الأيام أصبحت موضوعا لقصائد الشعر والروايات وأغلفة الأقراص الموسيقية المدمجة.
وبينما لا يوجد من ينكر الرواج الواسع لهذه اللوحة، فمن المثير للاهتمام أن نلاحظ انه لا يتوفر سوى معلومات قليلة جدا عن شعور الفنان فان غوخ تجاه هذه اللوحة.
فهو لم يذكرها سوى مرتين في رسائله وبصورة عابرة.
رسم فان غوخ "ليلة مرصعة بالنجوم" في ظروف كان سلوكه خلالها يتسم بغرابة الأطوار بسبب شدة النوبات التي كانت تجتاحه، وقد رسم اللوحة من الذاكرة وليس في الطبيعة الخارجية كما هو الحال مع لوحاته الأخرى. وهذا يفسر - ربما - سبب التأثير الانفعالي القوي لهذه اللوحة والذي يفوق تأثير كافة أعماله الأخرى في نفس الفترة.
ويتساءل النقاد عما إذا كان الأسلوب الهائج الذي رسم به فان غوخ هذه اللوحة يعكس عقلية معذبة أو ما إذا كانت اللوحة تخفي سرا ما هو الذي دفع الفنان إلى تصوير السماء الليلية بتلك الصورة الثائرة والمضطربة. لكن مما لا شك فيه أن هذا الجدل هو أحد الأسباب التي حدت بالنقاد إلى اعتبار هذه اللوحة بالذات اشهر أعمال فان غوخ على الإطلاق وأكثرها قابلية للتفسيرات والمعاني.
بعض النقاد توقفوا عند الأحد عشر نجما الظاهرة في اللوحة، وتحدثوا عن إمكانية أن يكون الفنان تأثر بقصة يوسف في العهد القديم، رغم حقيقة أن فان غوخ لم تكن له ميول دينية قوية في العام 1889 الذي رسم فيه اللوحة.
لكن أيا ما كانت التفسيرات أو المعاني الحقيقية للوحة، فقد أصبحت إحدى اشهر واهم الأعمال الفنية التي أنجزت في القرن التاسع عشر.
في اللوحة نجد الهدوء والفوضى، السلام والاضطراب الكوني جنبا إلى جنب، فالسماء تضطرب باللون الأصفر المحترق والمرتفعات تميد وتهتز، بينما تبعث الألعاب النارية الذهبية والمنطلقة باتجاه السماء الزرقاء شعورا بالارتياح النسبي.
بعض دارسي الفن يقولون إن فان غوخ أراد في الواقع أن يوصل مشاعره في اللوحة بطريقة اكثر قوة ومباشرة مما تستطيعه الكلمات، وان الأمر لا يتعلق أبدا بالشعور بالإحباط أو أعراض الهلوسة، وانما بإحساس الفنان بالأمل كدافع لمحاربة اليأس.
فاللوحة تضج بالحيوية والقوة التي تشير إلى حضور الخالق، فالنجوم لا تشع فقط وانما تتفجر بالشعاع الأخاذ، والأرض تبدو كما لو أنها تستجيب لحركة السماء مشكلة أمواجها الحية في الجبال والأشجار التي تحتها. وفي القرية النائمة، تشع نوافذ البيوت بالنور الذي يضئ الكون، بينما بدا برج الكنيسة كما لو انه يجاهد ليشير إلى الخالق.. الحاضر الحي في هذا المشهد الكوني الاحتفالي.
وتظل لوحة "ليلة مرصعة بالنجوم" تثير الجدل والأسئلة والتفسيرات المختلفة والمتناقضة.




:5:


الأرجــوحـــة
للفنان الفرنسي جان اونور فراغونار


تعتبر مشاهد المجون والتخلع والولع بالنساء تجسيدا لروح مدرسة الروكوكو في الفن الأوربي.
كان جان اونور فراغونار تلميذا لشاردان ومن ثم لبوشير، قبل أن يرحل إلى إيطاليا حيث تعلق هناك بفن الباروك.
وفي هذا الوقت تخصص في رسم عدد كبير من اللوحات التي تعالج مواضيع وشخصيات تاريخية.
وعند عودته إلى باريس، سرعان ما غير فراغونار أسلوبه الفني واتجه إلى رسم مواضيع ايروتيكية، والى هذه المواضيع بالتحديد تنتمي لوحته الأشهر "الأرجوحة".
ما أن أنهى فراغونار رسم لوحته هذه حتى أصبحت حديث نقاد الفن في أوربا، ليس فقط بسبب تكنيكها الفني وانما أيضا بسبب الفضيحة التي خلفها.
ففي اللوحة يظهر نبيل شاب وهو يحدق في تنورة السيدة المتأرجحة على الشجرة، بينما يبدو في الخلفية الكاهن العاشق الذي اضطرها بملاحقاته المتحرشة إلى اللوذ بذلك المكان العالي.
وبنفس هذه الروح أنجز فراغونار عددا من لوحاته الأخرى الشهيرة مثل "قبلات مسروقة" و "خدعة الرجل الأعمى".
وبعد زواجه في 1769 ، بدأ فراغونار رسم لوحات تصور مشاهد عائلية وطفولية وحتى دينية.
بالنسبة للكثير من النقاد تعتبر لوحة الأرجوحة تجسيدا لروح النظام الملكي عشية قيام الثورة الفرنسية.





:5:


امـرأة بمظلـة (مدام مونيه وابنها)
للفنان الفرنسي كـلـود مـونيـه


احترت أي لوحة من لوحات مونيه يمكن اختيارها للتعبير عن عبقريته وتفرده الفني، فمونيه بالنسبة للكثيرين هو واسطة العقد بين جميع الفنانين الانطباعيين، وكل عمل من أعمال هذا الفنان الاستثنائي هو عالم قائم بذاته.
واستقر الرأي في النهاية على اختيار لوحته الذائعة الصيت "امرأة بمظلة".
وسبب اختيار هذه اللوحة بالذات مبعثه إجماع معظم خبراء الفن على اعتبارها اشهر أعمال مونيه على الإطلاق، ويمكن التدليل على ذلك بما حققته اللوحة من ذيوع وانتشار كبيرين، وبالإمكان رؤيتها على أغلفة العديد من الروايات العاطفية وكتب النقد الفني وأقراص الموسيقى المدمجة وخلافها.
في هذه اللوحة يلخص مونيه المفهوم الانطباعي عن اللمحة الخاطفة. فاللوحة توصل بطريقة رائعة الإحساس باللقطة عندما تقتنص في اللحظة المناسبة خلال رحلة لزوجة الفنان وابنه في يوم مشمس جميل.
الريشة هنا ومن خلال رش الألوان النابضة والخفيفة تلعب دورا رئيسيا في خلق شعور بالتلقائية. ومن الصعب ونحن نتمعن في هذه اللوحة أن نتبين إلى أين ستنتهي الغيوم الخفيفة آو متى تبدأ الريح في تحريك وشاح السيدة.
والطيات اللولبية في فستان السيدة هي تجسيد للنسيم الذي نكاد نحس به هنا وهو يتخلل ثنايا المشهد كله.
أما ضوء الشمس الآتي من جهة اليسار فيقف في مواجهة الريح القادمة من اليمين، والشمس والريح يتماسان ليشكلا دوامة في منتصف اللوحة تبدأ بأوراق العشب المتثنية وتنعطف عبر المساحات البيضاء في مؤخرة الفستان وحتى أعلى المظلة.
أما المنظر من اسفل فيضفي ظلا على صورتي المرأة والطفل ليكثف بالتالي التأثير الديناميكي للشمس والضوء.
مونيه استطاع في هذه اللوحة أن يحقق تباينا مبهجا بين الريح والغيم والضوء وثبات ارض المرتفع، من خلال ربط كل هذه العناصر بوضعية شخص المرأة.
واخيرا تجدر الإشارة إلى أن مصطلح الانطباعية اشتق من اسم لوحة لمونيه عنوانها Impression: Sunrise ، وقد اختير العنوان ليوضع على عجل كعنوان للدليل المصور الخاص بمعرض فني أقيم في باريس العام 1874 م.